الأحد , 13 أكتوبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » أطروحات » الحياة الأسرية في المغرب الأقصى خلال العصر المريني. 668-669 هـ/ 6912-1465م

الحياة الأسرية في المغرب الأقصى خلال العصر المريني. 668-669 هـ/ 6912-1465م

محماد لطيف، الحياة الأسرية في المغرب الأقصى خلال العصر المريني. 668-669 هـ/ 6912-1465م، إشراف أحمد المحمودي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة المولى إسماعيل، مكناس، 2009.

outrou7at_10.3ما من شك في أن عمق التحولات الجذرية والتوترات العنيفة والحادة التي أصابت النظام الأسري في واقعنا الراهن، وتبلور الوعي بأهمية هذه المؤسسة كواحدة من أبرز النظم الأساسية المؤثرة، في باقي المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية، يجعل من موضوع الأسرة إحدى أبرز المواضيع التي أثارت اهتمام الباحثين الأكاديميين من كافة الحقول المعرفية، وذلك من خلال تسليط الأضواء على مختلف قضاياها، وملامسة تطوراتها، وما أصابها من تبدلات، واستكشاف العوامل المتحكمة في صياغتها وتركيبتها.

والحقيقة أن سعينا للبحث في موضوع الأسرة في المغرب الأقصى خلال العصر المريني لم يكن فقط من أجل تركيب حلقة من حلقات تاريخ المغرب المعتمة والمفقودة، بل إيمانا منا أيضا بأن الدراسة التاريخية لمؤسسة الأسرة، وملاحقة قضاياها في المراحل السابقة، واستكناه بناها وتغيراتها، ومتابعة مختلف العلاقات التي نسجت في إطارها، والبحث في علاقاتها مع باقي المؤسسات، سيسهم لا محالة في إماطة اللثام عن العديد من القضايا التي أهملها البحث التاريخي، وتحقيق عملية الفهم الموضوعية للكثير من المشكلات التي مازالت تتجدد أهميتها، ويتعاظم وزنها في مجتمعنا المعاصر.

إن البحث في مختلف قضايا الأسرة، في إطار العلاقة الجدلية التي تجمع بين هذه الخلية والأفراد المكونين لها، وبين معطيات الواقع الذي أفرزها، وأثر في صياغة شكلها وبنيتها، لا يطمح فقط إلى إثبات عسف تلك الرؤى الاختزالية التي تنظر إلى الأسرة باعتبارها وحدة منغلقة، ومنعزلة عن الظروف التاريخية العامة، بل يرمي إلى الإقرار بجدوى النظر إليها من زاوية شمولية، تتوخى الإلمام بكافة العناصر الفاعلة في تركيبتها، وتمتد عبر مساحات متنوعة، لترصد مختلف الظواهر والعلاقات، وكذا التمثلات التي شكلت الأسرة موطنا لتراكمها، وميدانا فسيحا لانتشارها.

إن تناول مختلف هذه القضايا، وإحكام الإمساك بخيوطها بعيدا عن مزالق التأويلات الفجة، فرض علينا الحفر عن المادة العلمية، في مصادر متعددة مختلفة القيمة والطبيعة، والاطلاع على العديد من الدراسات المعاصرة من مختلف التخصصات العلمية، سواء تلك التي لامست أطروحة هذا الموضوع، أو تلك التي طرقت زمن هذه الأطروحة بأسئلة تاريخية مغايرة. ومن خلال ذلك، توصلنا إلى مجموعة من الخلاصات نجملها فيما يلي:

- لعل أبرز الاستنتاجات التي انتهى إليها البحث، أن مؤسسة الأسرة خلال الحقبة المرينية، لم تكن بمعزل عن كافة الأوضاع والمستجدات، التي عرفها المجتمع المغربي خلال ذلك العصر، فكانت بمثابة المرآة الأمينة، والصورة المصغرة لما طفح به ذلك المجتمع من ظواهر، ولما خضع له من مؤثرات. فقد كانت الأسرة تمثل نسقا فرعيا داخل نسق أكبر يمثله المجتمع، لهذا اتشحت بقسماته الأساسية، واستجابت لظروفه العامة، ولما كان يطرأ عليه من تغيرات.

- ومن خلال تتبع الدراسة لمختلف ممهدات الزواج ومراحله، وأهم القضايا التي طرحها، تبين أنه كان نظاما اجتماعيا كاملا، تجلت فيه ذهنية الجماعة، وتمثلت من خلاله طبائعها وخصائصها. وتكشف أنه خضع في انعقاده لتقاليد وأعراف متنوعة ومتباينة، كانت بمثابة تعبيرات رمزية، عكست ظروف الحياة السائدة في ذلك الزمن من تاريخ المغرب. ورغم أن معظم هذه التقاليد والعادات تعود في مجملها إلى ماض سحيق، فقد اتضح أنها لم تكن في منأى من التغيير والتعديل والتجدد، بفعل ما حدث من اختلاط، وأحيانا تجانس بين الأمازيغ، والعرب، والأندلسيين.

- ومن خلال تحليلها لبنية الأسرة، وملاحقة العوامل المؤثرة في صياغة تركيبتها، خلصت الدراسة إلى أن الأسرة المؤلفة من الزوج والزوجة وأولادهما، وأحفادهما، كانت بحكم تشكيلها البنيوي، ووظيفتها الاجتماعية، الخلية الأولى داخل المجتمع. وتبين أن من أهم الدعائم التي قامت عليها الأسرة في ذلك العهد، حجمها الكبير نسبيا، وهذا ما تجلى في ما للإنجاب من قيمة عالية، وما للإكثار من الأولاد والنسل من مكانة متميزة.

- من جانب آخر، وقف البحث عند الأثر العميق للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي ميزت العصر المريني في صياغة بنية الأسرة. وكشف عما أفرزته تلك الظروف من تشكيلات أسرية يتوافق بنائها الداخلي مع الشروط المادية، وظروف الحياة في المجالين البدوي والحضري. وفي الاتجاه ذاته، أكدت الدراسة أن بنية الأسرة لم تكن محصنة من عوامل التفكك والانحلال، ولعل هذا ما لامسته في عرض نماذج من الأسر تزعزع كيانها وتصدع تماسكها، بفعل ما هز المجتمع المغربي خلال الفترة المرينية من أزمات اقتصادية واجتماعية.

- وكشف البحث كذلك، عن الدور البارز للكوارث الطبيعية والأوبئة والحروب فيما أصاب بنية الأسرة من تغيرات. إذ كثيرا ما أفضى ما كان ينتج عنها من ارتفاع غير عادي في عدد الوفيات، وظواهر مثل الاسترقاق والأسر، إلى تدمير عدة أسر والإخلال بتوازنها، وأحيانا القضاء عليها.

- وقد قاد البحث في العلاقات بين مكونات الأسرة إلى تتبع وضعية المرأة والطفل داخلها، واعتبارا لمكانة المرأة داخل الجسم الأسري، عملت هذه الدراسة على رصد نظرة المجتمع للمرأة، وتحليل المكانة الممنوحة للنساء، واتضح أنها لم تخرج عن تلك النظرة السلبية التي قرنتها بالشر، والضلال والغواية، والشك والخيانة، ونقص العقل والدين، وغيرها من الصور الذميمة. وتبين أن استيلاء الصور السلبية للمرأة في مخيال الرجل، خصوصا تلك التي اعتبرتها مرادفة للشر، والغدر، والمكر والخديعة، دفعته إلى الإلحاح في إغلاق كل سبل الخروج أمامها. ولعل هذا ما تبدى في كثرة الأصوات المنادية بالتشديد في التضييق عليها بفرض الحجاب، واحتباسها في المساكن.

- وعلى الرغم من التحولات العميقة التي سجلتها الدراسة حول ظاهرة حجب المرأة، والمبالغة في تكبيل تصرفاتها، فإن ذلك لم يقض على كل سبل ظهورها بين الناس، والمشاركة في جميع أمور الحياة. وهذا ما تم إثباته من خلال تصدي الدراسة لأدوار النساء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي عبرت، وبحق، عن مكانة المرأة في المجتمع المغربي خلال الحقبة المرينية، وأظهرت أنها لم تكن معزولة عن المجتمع، ومختفية عن الأنظار، بل شاركت إلى جانب الرجل في الأعمال الفلاحية، وقامت بأنشطة تجارية وحرفية مدرة لدخل فاق مدخول الرجل في بعض المناطق، مما فرض إنتاج أعراف تقر بأحقية الزوجة في جزء من ممتلكات الأسرة، ومنها ما أطلق عليه بحق الكد والسعاية.

- وبناءا على تحليلنا لاتجاهات تربية الطفل ومضامينها، خلصنا إلى أنها ارتكزت على منطلقات وارتبطت بأهداف مرتبطة بصميم الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب الأقصى خلال العصر المريني. وهو ما تبين من خلال تناولنا لقضايا تكشف عن واقع الطفل ووضعيته داخل الأسرة والمجتمع من مثيل تعليم الطفل، وتشغيله، والألعاب التي استهوته، ومختلف الأمراض التي كانت تحدق به.

- علاوة على ما سبق، عمل البحث على الحفر في خبايا العلاقات الزوجية من مثيل تعدد الزوجات، والتسري واتخاذ الإماء، والخيانة الزوجية، والتوافق الجنسي والعاطفي بين القرينين، وتبين من خلال تحليل هذه القضايا أنها كانت إحدى العناصر الرئيسية التي زعزعت كيان الأسرة، بل وقادتها في العديد من الحالات إلى التفكك والطلاق الذي كانت نتائجه وخيمة. وتبين بعد رصد أوضاع النساء المطلقات، والأطفال ضحايا الطلاق، أن هذه النتائج لم تقتصر على الجوانب المادية، وإنما امتدت لتطال الجوانب النفسية، والسلوكية من حياتهم.

- محماد لطيف

72

2 تعليقان

  1. ارجو من المؤلف رفع الرسالة للاستفادة من هذا الجهد القيم

  2. شكرا لك على هدا المقال الدي يشمل دراسة مركبة خاصة بالاسرة والمجتمع في الفترةالمرينبة، لدي طلب هل بامكانك مدي بهده الدراسة قصد الاستفادة و الاستعانة بها، فانا طالبة باحثة في التاريخ الوسيط و عندي موضوع البحث الطفل في مجتمع المغرب في العصر الوسيط و شكرا.

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.