عرفت الساحة الثقافية المغربية مؤخرا صدور مجلة شهرية متخصصة في تاريخ المغرب، تحمل عنوان Zamane: L’histoire du Maroc. ورسم القائمون على المجلة، في افتتاحية العدد الأول، خطها التحريري الإعلامي والعلمي، الذي يبرر حضورها في المشهد الثقافي الراهن. ويلتقط منه أن موضوع المجلة الأساس معالجة تاريخ المغرب في مجمل جوانبه الظاهرة والخفية. وهو هدف طموح وليس بالسهل، بالنظر إلى ترسخ صور محددة عن تاريخ المغرب في الأذهان، واعتبارا للمشاكل التي قد تعترض محاولات تكسيرها اعتمادا على مقاربات تاريخية غير أحادية. كما يلتقط من الافتتاحية أن المجلة لن تسعى إلى إعادة التاريخ ولا حتى إلى إعادة كتابته انطلاقا من تصورات مراجعاتية أو تعديلية.
وينطلق القائمون على المجلة، أيضا، من مسلمة أن التاريخ يتغذى من الوقائع والأمكنة والتواريخ والبشر، وهي مكونات تهم شريحة واسعة من المجتمع، بالرغم من أن معالجتها علميا تفترض التمكن من أدوات منهجية خاصة. وبناء عليه، لا يعد التاريخ بالضرورة مجالا معرفيا حكرا على البحث الأكاديمي، و خاصا بطائفة وحنطة دون غيرهما. وتأسيسا على هذا الاقتناع، تهدف المجلة إلى وضع تاريخ المغرب في متناول فئة واسعة من القراء، مما يتطلب مجهودا إضافيا لتعميم المعرفة التاريخية، من دون السقوط في الابتذال ولا إهمال قواعد هذه المعرفة.
تسعى هيئة تحرير المجلة إلى مرافقة القارئ الشغوف بتاريخ بلده الحقيقي، بالإجابة عن فضوله التلقائي، وتلبية رغبته في الاطلاع على ماضيه، حتى يتمكن من التموقع في الحاضر واستشراف المستقبل. وتعي الهيئة أن المسعى لن يكون سهلا، لأن أطرافا متعددة تشترك وتساهم في إنتاج المعرفة التاريخية وتلقينها، ومنها الدولة بمنظوماتها التعليمية والإعلامية والدعائية، وحنطة الباحثين في التاريخ والعلوم الاجتماعية ذات الصلة، ومنابر إعلامية مستقلة أو ذات توجهات سياسية وإيديولوجية، ومؤسسات وأفراد من خارج الوطن. و لا تدعي الهيئة أنها ستمتلك دون هذه الأطراف “الحقيقة المطلقة” عند تناول واقعة تاريخية ما، بقدر ما تؤكد أنها ستعتمد منهجا مبنيا على تعدد المقاربات ومقابلة الدراسات مهما كانت متباعدة. وهكذا، تكتب هيئة التحرير في المجلة، وتستكتب الباحثين والمهتمين، لتقترح على القارئ منتجا معرفيا، بعيدا عن الإكراه الفكري، محفزا على بناء “يقينيات” وتصورات شخصية متمتعة بهامش كبير من الحرية النقدية.
تتكون هيئة التحرير من صحفيين متمرسين وشباب ومن مثقفين وباحثين جامعيين، يجمعهم هاجس كتابة نصوص علمية رصينة، ولكن بلغة ومعالجة إعلاميتين غير مستعصيتين على القارئ غير المتخصص. وتنتظر الهيئة من هذا الأخير أن لا يكون مجرد مستهلك لما يصدر عنها، وأن يساهم بنقده ورأيه في تطوير وتقويم ما تضعه شهريا بين يديه.
صدر من مجلة زمن إلى غاية اللحظة ستة أعداد تتضمن أبوابا قارة و عناوين فرعية ثابتة.
وتحتل الملفات الشهرية مكانا مركزيا في كل عدد، بحيث يكتب فيها مختصون وتواكب في بعدها التاريخي ما تعرفه البلاد من تحولات. وقد خصصت المجلة ملفات لخفايا لحظة حصول المغرب على الاستقلال، ولمحاولات اغتيال الملك، ولاختيار المغاربة العقيدة السنية بالرغم من تهيئهم تاريخيا لأن يكونوا شيعة، ولعلاقة المخزن بالرأسمال، ولانتقال البلاد من منظومة القبيلة إلى نظيمة الأمة، وللمسألة الدستورية.
كما تحتل زاوية نقاش مكانا مميزا في الأعداد الصادرة. وقد استضافت عبد الصمد بلكبير وأحمد عصيد في موضوع الأمازيغية والهوية، وعبد الإله البقالي ويوسف بلال في موضوع مصير الحركة الوطنية، وجامع بيضا وإغناس دال في موضوع العلاقة بين الإعلامي والمؤرخ، وعبد الأحد السبتي ومولاي هاشم العلوي في موضوع الرقابة على الكتابة التاريخية.
ومن عناوين المجلة الفرعية الثابتة عنوان تاريخنا، الذي عالجت مقالاته بمنهج استشكالي مواضيع المورسكيين بين التاريخ والمخيال، وعلاقة الريف بالمخزن، ومعركة وادي المخازن، والحركة الخطابية، وبرغواطة، وأصول الصحافة المغربية، والمغرب في مواجهة الدولة العثمانية، وتهمة العمالة الموجهة إلى علي باي، والعلاقات المغربية الأمريكية، وعرائض الاستقلال، ومشاكل التنقيب الأثري، وحرب الإبادة ضد المورسكيين، وقراصنة سلا، والنزعة الفاشية في مغرب الحماية، وتاريخ الطائفة اليهودية، والأوجه الأخرى لمحمد الخامس، والعيش زمن الرومان.
كما من عناوينها الألغاز الكبرى في تاريخ المغرب، وسعت فيه إلى الإجابة عن أسئلة من قتل أغمات، وماهية أصول البوليساريو، ولماذا لازالت سبتة ومليلية اسبانيتين إلى غاية يومنا هذا، والأوجه التاريخية للخطبة المنسوبة إلى طارق بن زياد، وحقيقة خيانة المغرب لقضية الأمير عبد القادر الجزائري، وعداوة اسبانيا الصديقة.
ومن عناوين زمن أيضا قضايا دولة وقضايا محفوظة، التي عالجت العلاقة الدائمة التوتر بين الملك الحسن الثاني والرئيس معمر القدافي، وحدث اغتيال مسعدي، وسر نزوح الصحراويين الكبير إلى تندوف سنة 1975، وحقيقة العلاقة بين محمد الخامس وشيوعيي المغرب، وطبيعة الحداثة العربية المنسوبة إلى تونس، وحالة الانتقال من السيبة إلى الثورة، والثورة الامازيغية من خلال نموذج عدي أوبيهي، والسيادة على صخرة ليلى.
وخصصت المجلة حيزا من صفحاتها لرسم ربورتريهات شخصيات تاريخية متنوعة، مثل قدور بن غربيط، وابن بوعزة، وباحماد، وثريا الشاوي، والمولى إسماعيل، وموحى أوحمو.
وتتميز الصفحة الأخيرة من المجلة بدأبها على طرح ومعالجة سؤال افتراضي، “غير تاريخي” ولكن لا يخل من طرافة، في صيغة ماذا لو؟ وترتكز الفكرة على التقدير المخيالي لما كان سيقع من تحولات في مسار تاريخ المغرب، لو أن العرب الفاتحين انتصروا في معركة بلاط الشهداء في بلاد الغال؟ ولو أن المغاربة لم ينتصروا في معركة وادي المخازن؟ ولو أن الملك محمد الخامس لم يتوف سنة 1961؟ ولو أن الجنرال أوفقير نجح في انقلابيه؟
و حرصت المجلة على تخصيص حيز من صفحاتها للتأريخ للجانب المهمل والمثير في نفس الآن من تاريخ المغرب، من قبيل التتبع الزمني والاجتماعي لــ”ماركات” شهيرة من السيارات والمشروبات والبطاقات البريدية، ومحلات بيع الحلي، والفرق الرياضية، و”الساتيام”، ووسائل الاتصال من التلغراف إلى الانترنت. ومن قبيل البحث في ما وراء الخرافة والأسطورة، في حالات سبعة رجال مدينة مراكش، والولي صاحب الحمة مولاي يعقوب، وعيشة قنديشة.
كما حرصت على تقديم جرد وإن انتقائي ومقصود للأحداث التاريخية التي وقعت في نفس شهر كل عدد. هذا فضلا عن تخصيص زوايا لــ قراءات، وشهادات، واستجوابات…
ومن مزايا زمن تنويع النص الذي تقدمه إلى قرائها، إذ لا يقتصر على الحيز المكتوب، بل يشمل الصورة التي لا تقل أهمية باعتبارها وثيقة تاريخية. ومن مزاياها أيضا مستوى الإخراج الرفيع والحرفي، ونوعية الورق الصقيل، وجمالية الصورة ووضوح الألوان… لكن أهم مزاياها أنها قدمت نفسها ورشا ومشتلا تتطوع فيه الأذهان والأقلام على ذلك السهل الممتنع، أي الكتابة العلمية بتعبير لغوي وببناء منهجي لا يستعصيان على القارئ غير المختص بل و حتى العادي.
وقد يلاحظ القارئ المتتبع على المجلة اهتمامها بالمواضيع الساخنة والراهنة، و تمريرها لمنظومة من القيم الحداثية، وتغليبها أحيانا الصورة على المكتوب، بل و حتى تفضيل القائمين عليها إصدارها باللغة الفرنسية إلى حين تدبر إمكانات إخراج أختها لا نسختها العربية.
ومع ذلك، تظل لتجربة زمن: تاريخ المغرب، وللنجاح الذي لاقته في “سوق” الثقافة المغربية، دلالة على حاجة المغربي إلى هذا النوع من المعرفة، وعلى أن الاستثمار في مثلها لا يعد ضربا من المغامرة زمن المجلات الالكترونية و صحافة الإثارة…