
وفي إطار هذا المسعى العلمي النبيل، تعيد الكلية، هنا، نشر المجموعة الكاملة للأعداد التسعة من مجلة مغربية نادرة، بعنوان:رسالة المغرب، في مجلد واحد، مع الاحتفاظ لها بصورتها الأصلية.
صدرت مجلة رسالة المغرب بين يناير 1958 وأبريل 1959. وأصدرتها “جمعية الأديب” بمراكش. وتعتبر هذه المجلة، مع مجلة دعوة الحق، من المجلات المغربية العربية الثقافية القليلة التي ظهرت في السنوات الأولى من الاستقلال. ولهذا اعترف لها بهذا الحضور المبكر في الساحة المغربية الثقافية والفكرية، وأنها كانت معبرة عن بعض مجريات الحركة الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية في تلك الفترة الحرجة من تاريخ المغرب الحديث. وحتى وإن كانت أعداد هذه المجلة محدودة، تسعة أعداد فقط، فإن الفترة الزمنية التي ظهرت فيها، والإمكانيات البشرية والمادية التي اشتغلت بها، تجعل منها مرجعاً، يستأنس به في تبيين بعض معالم تلك الفترة في تاريخ الثقافة المغربية الحديثة. ويمكن تحديد الأهمية الثقافية والتاريخية لهذه المجلة فيما يلي:
1- أنها صدرت عن جمعية حديثة بدورها، “جمعية الأديب”، تريد أن يكون لها حضور ثقافي من خلال مجلة تعبر عن أهدافها الفكرية والثقافية والاجتماعية. وليس من السهل على جمعية ناشئة أن تنشئ، في ذلك الوقت، مجلة في مستوى مجلة رسالة المغرب.
2- كان لمدير مجلسها ورئيس إدارتها، محمد الحبيب الفرقاني، دور هام في إنشائها والإشراف عليها وتتبع أحوالها، والمساهمة فيها، لما توفر لهذا الشخص من روح وطنية فذة، وحب كبير للمعرفة ونشرها، وإيمان قوي بدور الثقافة في تطور الشعوب. وإليه يرجع الفضل في جمع جماعة من المثقفين الشباب حوله وحول المجلة، بل وفتح آفاق المعرفة أمامهم.
3- حاولت المجلة أن ترسم لنفسها، منذ عددها الأول، خطة تسير عليها، تمثلت في افتتاحية العدد، وركن الإبداع الشعري والقصصي، والنقدي أحياناً، وركن الفكر والفلسفة والسياسة والاجتماع، وركن الاستجواب مع شخصية فكرية أو سياسية أو أدبية، وركن المرأة، وركن تقييم الحركة الأدبية والسياسة المغربية في شهر، مع بعض الأخبار الثقافية والكتابات الطريفة التي تتوزع داخل المجلة. غير أن هذه الخطة لم تكن مستقرة في جميع الأعداد، إذ ظهر فيها ركن خاص بالفنون، ابتداء من العددين السادس والسابع. ويدل هذا الركن الخاص بالفنون الحديثة، مثل السينما والمسرح والتشكيل، على توسع دائرة الاهتمام الثقافي للمجلة، وتوسع مفهومها للثقافة، كما يدل على انفتاحها على الفنون الحديثة، إلى جانب اهتمامها بالكتابات الأدبية المختلفة.
4- لقد انتبهت المجلة مبكراً إلى أهمية المرأة ودورها في التحديث المجتمعي، فخصصت لها ركنا يهتم بالمرأة وكتاباتها ونشاطها الثقافي والفكري والاجتماعي. وهكذا قدمت المجلة مجموعة من الكاتبات المغربيات، مثل فاطمة عبد الله إبراهيم، ولطيفة عبد الرزاق، وآسيا الحبيب، وليلى الشافعي، ولطيفة الرخا، وغيرهن.
5- تعبر المجلة من خلال موادها، ونوع كتابتها، وكتّابها، عن حرصها على التعبير عن الثقافة المغربية في أبعادها التاريخية وأبعادها الحديثة؛ فهي من جهة، تسعى إلى إحياء الأعلام الفكرية والأدبية والتاريخية المغربية القديمة، ومن جهة أخرى، تفتح المجال للكتابات المغربية الفكرية والاجتماعية والسياسية الحديثة، إذ قدمت لنا مجموعة من المفكرين والكتاب والأدباء الذين كان لهم دور هام في ترسيخ الثقافة المغربية الحديثة، مثل علال الفاسي، وعبد الله إبراهيم، وعبد الله كنون، وقدور الورطاسي، وحسن السوسي، ومحمد الحبيب الفرقاني، وعبد العزيز بنعبد الله، وغيرهم. كما فتحت المجلة المجال أمام الكتاب والمبدعين المغاربة، من الشباب والشابات، في مجال الشعر والقصة والنقد والفنون المختلفة، مثل عبد القادر حسن، أحمد خلاصة، محمد العلوي والحسيني حسن، والبشير محمد التزنيتي، وصبري أحمد، وعبد الكبير العلمي، وزين العابدين الكتاني، ومحمد عبد السلام كيتان، ومصطفى المعداوي، والطيب برادة، ومحمد مبارك الرحالي، وسالم الدمناتي، والمهدي البرجالي، ومحمد المالكي، وعبد الله المصباحي، ومولاي احمد الإدريسي، ومحمد برادة، وعبد الجبار السحيمي، والشاوي محمد الصادق، وغبرهم. وبهذا تكون المجلة قد وعت اللحظة التاريخية التي كان يمر بها الفكر المغربي، وما يزال، في علاقته المعقدة مع التراث والحداثة، وكذا التطلع إلى المستقبل.
6- كما تعبر المجلة عن البعد القومي العربي الذي كان يشهد في وقتها امتداداً عارماً، من حيث مواكبة المجلة لبعض ما كان يموج في المشرق العربي، وفي الأقطار المغاربية. وهكذا فتحت المجلة أبوابها أمام بعض الكتاب المشارقة المرموقين، وواكبت بعض الزيارات التي قام بها بعض الكتاب والأدباء والمفكرين المشارقة إلى المغرب في ذلك الوقت، فقدمت ملخصات عن محاضرتهم، أو أجرت معهم استجوابات هامة، مثل أحمد زكي، وحسين فوزي، وخليل الجر، وعمر فروخ، وعبد العزيز الأهواني، وتقي الدين الصلح، وعميد الأدب العربي طه حسين.
7- كان لوعي المجلة الثقافي والاجتماعي أن اهتمت بإنشاء الجمعيات المدنية والثقافية، حتى تقوم بدور توعية الشعب بمشاكله الاجتماعية المختلفة، وبالدعوة إلى إنشاء إطار تنظيمي يجمع المثقفين المغاربة، يتمثل في “رابطة أدباء المغرب”، تقوم فيه هذه الرابطة بدورها الفكري والثقافي في المجتمع. ويبدو أنه كان لهذه الدعوة صداها، أو أثرها في ظهور جمعية اتحاد كتاب المغرب في أوائل الستينيات.
8- عبرت المجلة من الناحية التاريخية والفنية عن المستوى الذي وصلت إليه كتابة المقالة الأدبية والفكرية والاجتماعية والسياسية في المغرب آنذاك. فقد جاءت معظم مقالاتها مركزة، ويغلب عليها الاقتصاد في الكتابة، ولكنها كتابة عربية حديثة في مجملها، وتسعى إلى تجاوز الأساليب العربية القديمة، ما أمكن.
يمكن القول في الأخير إن مجلة رسالة المغرب قد عبرت بصدق عن المرحلة التي ظهرت فيها، وهي السنوات الأولى من استقلال المغرب. فقد اهتمت بالثقافة المغربية في بعديها التاريخي والحديث، وفتحت أبوابها للكتاب المغاربة الرواد، كما فتحت صفحاتها للشباب، وللمرأة المغربية كذلك. كما عبرت عن العلاقة التي تربط المغرب بالمشرق، وبخاصة اهتمامها بكبار أعلامه في الفكر والأدب والسياسة. كما عبرت في الأخير عن ملامح الكتابة الفنية والأدبية المغربية في ذلك الوقت، وبالخصوص كتابة المقالة الأدبية والفنية والتاريخية والسياسية والاجتماعية.