موقع الثقافة المغربية في الدراسات الثقافية
لتكوين تصور أوسع وأشمل عن الثقافة المغربية المعاصرة لا بد من تحديد مجال الدراسة التي يمكن أن ندخلها فيه، لأن الثقافة المغربية يمكنها أن تدرس من منظورات مختلفة ومن تصورات نظرية ومعرفية مختلفة. وبذلك ستكتسي هذه النظرة من تصورات تاريخية أو دينية أو اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية أو فنية أو شعبية أو أسطورية صفة ذلك التصور. وقد تختزل الثقافة في تصور من تلك التصورات. في حين أن الثقافة هي كل مكون من مجموع أجزاء التصورات المختلفة. ذلك أن الثقافة مفهوم مركب ومتراكب ومعقد ومنغرس في الممارسة الإنسانية المختلفة وفي تاريخية هذه الممارسة وفي تصورات كل ذلك. ونظراً لما عرفه مفهوم الثقافة من تطور ومن بحث أكاديمي متقدم في بعض الجامعات العالمية، ونظراً لمصداقية تلك الأبحاث، النظرية والعملية العلمية والمنهجية، فقد أصبحت الثقافة تدرس في مجال علمي خاص يعرف بالدراسات الثقافية، إلى جانب العلوم الاجتماعية والأنثربولوجية، والدراسات الأدبية والفنية. ومن الصعب أن نجد أبحاثاً علمية أو تخصصات خاصة تهم الثقافة المغربية وتاريخها. وغالباً ما يتم البحث فيها في مجالات اجتماعية وسياسية وتاريخية وأدبية منفصلة، ولكن بما يتناسب وخطاب تلك التخصصات. وقبل الحديث عن بعض نلك الملامح من خلال النقد المغربي، أشير بعجالة إلى أهمية الدراسات الثقافية وموقع النقد الأدبي فيها.
كيف ظهرت الدراسات الثقافية؟
تعتبر الدراسات الثقافية حقلاً من حقول الدراسات الأكاديمية، وهي أساساً وليدة النظرية النقدية والنقد الأدبي. وقد أدخله الأكاديميون البريطانيون في أواسط الستينيات من القرن العشرين، وتبناه الأكاديميون بعد ذلك عبر العالم. ولم يكن خروج هذه الدراسات الثقافية من الدراسات النقدية اعتباطياً، وإنما كان وليد ما تتضمنه النظرية النقدية والنقد الأدبي من تصورات تقوم على الانفتاح على تخصصات مختلفة، عرفها النقد الأدبي التقليدي، مثل علاقته بعلم الاجتماع وعلم النفس والتاريخ والمذاهب الفلسفية واللسانيات مثلاً.
ولذلك فالدراسات الثقافية هي تخصص أكاديمي يساعد الباحثين الذين ينظرون إلى القوى التي يَبني بها الكائن البشري حياته اليومية. ولهذا فهي ليست نظرية موحدة، ولكنها حقل متنوع من الدراسات يشمل عدة مقاربات ومناهج وآفاق أكاديمية مختلفة. هي من نوع جنس الأجناس/ماكرو جنس، أو جنس معرفي يجمع عنده عدة أجناس معرفية فرعية. ولهذا يطرح هذا المفهوم عدة مشاكل منهجية ونظرية. ولكنه شق لنفسه حقله المتداخل الاختصاصات. ولهذا جاء اسم هذا التخصص بالجمع: “الدراسات الثقافية“. Etudes culturelles/culture studies. وتتميز عن غيرها من الدراسات بتركيزها على الدينامية السياسية الثقافية المعاصرة وعلى أسسها التاريخية، وعلى الصراعات وتحديد سمات تلك الصراعات.
يركز الباحثون في الدراسات الثقافية على كيفية ارتباط وسائل الإعلام بالإيديولوجية، والطبقة الاجتماعية، والجنسية، والعرق، والجنس، والجنوسة gender، ويقدم بالأحرى تحديدات وتصنيفات لثقافة خاصة أو لثقافة منطقة خاصة في العالم، مثل ثقافة شمال إفريقيا أو الثقافة المغاربية، أو ثقافة الشرق الأوسط… وللوصول إلى مثل تلك التصنيفات، أو على الأقل، بعض جوانب تلك التصنيفات، لابد من الاعتماد على الدراسات النقدية النظرية والمنهجية والتحليلية المختلفة التي تتكفل بالتحليل النصي واستخراج سمات تلك النصوص المشكِّلة لتلك الثقافة المكتوبة أو الشفوية.
ما هي النظريات التي تدخل في حقل الدراسات الثقافية؟
يدخل في حقل الدراسات الثقافية مجموعة من النظريات؛ أهمها: النظرية الاجتماعية، والنظرية السياسية، والتاريخ، والفلسفة ونظرية الأدب، النظرية النسوية، ونظرية وسائل الإعلام، ودراسات الفيلم والفيديو، ودراسات التواصل، والاقتصاد السياسي، والترجمة ودراسات المتاحف، ونقد الفن، إلى دراسة الظاهرة الثقافية في مختلف المجتمعات. لذلك فإن هذه لدراسات تبحث عن كيفية تخلُّق المعنى، وكيف يُبنى ويَخرج ذلك المعنى من الأوساط أو الحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية والفنية داخل ثقافة ما. المعنى الثقافي إذن معنى مركب من جماع إفرازات تلك الأوساط أو الحقول وتلك الممارسات. وأن ذلك المعنى المركب هو الذي يساهم في إعطاء الثقافة لونها السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الديني أو الفني. وقد يتحول إلى فعل ساكن أو فعل متحرك. وقد يتخذ أشكالاً معتدلة ومتزنة أو أشكالاً متطرفة.
ركزت الدراسات الثقافية على مختلف الخطابات الثقافية التي تنتجها المجموعات البشرية المختلفة والمتنوعة، وعلى مستوى المثاقفة بين تلك الثقافات، وعلى أنواع من الثقافات الخاصة والعامة والهامشية، وبالخصوص الهيمنة الثقافية. وقد ظهرت النظريات المؤثرة للهيمنة الثقافية وفعلها من حركة الدراسات الثقافية مثلما هو الشأن بالنسبة لمعظم نظرية التواصل التي تحاول تفسير القوى الثقافية الموجودة وراء النظام العالمي الجديد، وبالعولمة.
ما هو الأساس النظري للدراسات الثقافية؟
قامت الدراسات الثقافية لمواجهة مفهوم الهيمنة، وإبراز مختلف أشكال الهيمنة التي تمارسها السياسات المتحكمة. وبالخصوص بعد التحولات السياسية والاقتصادية التي عرفتها مرحلة الثمانينيات من القرن العشرين. وذلك خلال ظهور الليبرالية الجديدة في بريطانيا (التاتشرية)، والمحافظين الجدد في أمريكا (الريغانية) مع ثمانينيات القرن العشرين. فتم الهجوم على الدراسات الثقافية من طرف القوى السياسية والأكاديمية وذلك نظراً للعلاقة الوطيدة بين عدد كبير من الباحثين في الدراسات الثقافية والنظرية الماركسية، واليسار السياسي، وما عرفه مفهوم الثقافة من تطور على يد أمثال غرامشي وباختين واليسار الفرنسي والأوروبي.
وكان من أبرز مقاصد هذه الدراسة هو مواجهة الهيمنة التي تجلت في العقود الأخيرة، والمتسترة وراء ما كشف عنه من قبل فوكو في الخطاب، وحلله ديريدا في تفكيكيته، وما قام به إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق (1978) وهومي بابا في كتابه موقع الثقافة، وغيرهم من الذين كشفوا عن أنواع السيطرة الكامنة في الخطاب واللغة والصورة والتواصل المعتمد في السياسة والاقتصاد. ظهرت الدراسات الثقافية لتنصف الثقافة التي ينتجها الإنسان والمجموعة البشرية، وبخاصة تلك المجموعة التي تم تهميشها والسيطرة عليها وتبخيس ثقافتها وقمع إنتاجاتها المختلفة من أجل استمرار الهيمنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولذلك تم اعتبار الثقافة من المداخل الأساسية إلى تركيز السيطرة بأنواعها. وكان هذا التصور وليد ما عرفته الدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية خلال القرن العشرين، وبخاصة الدراسات الماركسية والفلسفية التي تم تفكيكها والابتعاد فيها من التصور الراديكالي وتطعيمها تصورات ثقافية جديدة.
ما هو حظ الثقافة المغربية من الهيمنة الممارسة عليها في المغرب المعاصر؟ هل يمكن اعتبار ما تقوم به الدراسات الأدبية والنقدية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية نوعاً من تفكيك مختلف أنواع السيطرة للخطاب الأحادي المتحكم في مصائر الإنسان المغربي؟ أعتقد أن ما تقوم به مختلف الخطابات الثقافية المغربية الواعية بذاتها وزمانها ووجودها، أي: يحاضرها، هو الكشف عن سلطة الخطاب المهيمن وإبراز تعدد الأصوات وتنوعها وقيمتها داخل المجتمع المغربي، لخلق ثقافة متحررة واعية بحاضرها ومستشرفة لمستقبلها في العالم المعاصر.
سأحاول أن أتحدث عن جانب من جوانب الثقافة المغربية المكتوبة، من خلال التأريخ للخطاب النقدي المغربي المعاصر. وسنرى أنه كان منذ نشأته، وما يزال، يبحث عن ذاته وعن كيانه الخاص به، في علاقاته مع الخطابات المشرقية والخطابات الأوروبية، وبالخصوص الخطابات المغربية التقليدية.
مسار النقد المغربي
ليس الغرض من هذه الكلمة أن أقدم عرضاً مفصلاً عن مسار النقد المغربي خلال العقود الخمسة الماضية التي نعتبرها زمناً تشكلت فيها الكتابة النقدية المغربية المعاصرة. ولكن الغرض هو محاولة التأريخ لمكون من مكونات الثقافة المغربية المعاصرة، ولإحدى خطاباتها النظرية والتحليلية التي تحمل بعض الجينات التكوينية لهذه الثقافة. وذلك من خلال تلمس بعض اللحظات الدالة أو المنعطفات التي عرفها هذا النقد. هو تأريخ للنقد من خلال تجميع وتركيب فعل النقد المغربي المعاصر في لحظات أو حلقات يجمعها انسجام التصور النظري والتحليلي. ولا شك أن التراكم النظري والمنهجي والمصطلحي والدلالي والتعبيري قد فرض نفسه في مجال التداول النقدي؛ وبخاصة المجال الجامعي والأكاديمي، ثم المجال الإعلامي والتربوي، سواء في المغرب أو في العالم العربي. لذلك لابد من محاولة التأمل النظري في هذه الممارسة النقدية المعرفية والعلمية والفنية، والتفكير في تأريخ نقدي لهذا النقد. والتأريخ النقدي يبحث في مآل زمن الممارسة النقدية النظرية والمنهجية والعملية، ويكشف عن الإمكانات النظرية والمنهجية التي تتيحها تلك الممارسة المشروطة بزمنها.
أهم منعطفات النقد المغربي
المنعطف هو مفهوم يشيد وليس معطى؛ أي، أنه تشييد نظري يبنيه الدارس أو المحلل أو الملاحظ استناداً إلى منطلقاته المعرفية وغاياته. والتفكير بالمنعطفات هو وليد الدراسات التاريخية التي تعتمد على الأحداث والوقائع السياسية الكبرى التي تؤشر على تحولات جوهرية في مجرى التاريخ، سواء كان عاماً أو خاصاً. وهذا التصور غالباً ما يهتم بالوقائع الكبرى، ولا يهتم كثيراً بالوقائع الصغرى الأخرى التي أنتجت تلك الوقائع في حد ذاتها. وقد أنتج هذا النقد التاريخي لمفهوم المنعطفات الكبرى تصوراً آخر للتعامل مع التاريخ. ويقوم هذا التصور الأخير على النظر إلى سيرورة التاريخ في بنياته الصغرى أو الجزئية، أو إلى المكونات الدقيقة لتلك المنعطفات خلال تشكلها وتميزها وظهورها. وما يميز هذا التصور التاريخي هو محاولة توسيع مجال تطور ظهور ما يسمى بالمنعطف في التاريخ، أو “المنعطف التاريخي le tournant historique”، وقد وظفه كل غادامر وياوس، أو “النموذج الإرشادي” أو “الإبدال le paradigme ” الذي صاغه توماس كون في العلوم، أو الإبستيمي l’éspitéme عند ميشيل فوكو في الفكر. كما وظفت العلوم الاجتماعية مفهوم المنعطف الثقافي الذي يجمع بين السياسة والاجتماع والوسائط الجديدة. ولعل مفهوم المنعطف الأخير، المعروف في العلوم الاجتماعية*، هو الذي تحكم كثيراً في الفكر العربي وآدابه. والمنعطفات في تاريخ النقد المغربي قد نجد فيها ملامح من بعض المنعطفات المذكورة؛ تظهر بشكل واضح مرة وتغيب مرة أخرى.
هل هناك منعطفات واضحة المعالم في مسار النقد المغربي الحديث؟ وما هي الخلفيات المعرفية والنظرية والمنهجية التي تحكمت فيها.
إن المتتبع للدراسات النقدية المغربية الحديثة والمعاصرة يستطيع أن يتبين في مساره منعطفات دالة شكلت مختلف مقارباته وتصوراته النظرية والمنهجية. ويمكن تحديد تلك المنعطفات استناداً على خطابات تلك الممارسة النقدية ومفهومها للأدب وتعالقاته الثقافية مع مختلف المعارف والفنون. وعلى دلالاته المفهومية والمصطلحية واللغوية.
I- المنعطف الأول: النقد الفقه اللغوي -التاريخي
نقصد بالنقد الفقه اللغوي- التاريخي ذلك النقد الذي ورثه النقد المغربي الحديث في النصف الأول من القرن العشرين من مختلف الممارسات النقدية العربية القديمة في المشرق أو في الغرب الإسلامي أو المغرب. وهو نقد كان يركز على جودة التعبير لغوياً وبلاغياً أولاً، بحيث يكون هم الدارس هو سلامة التعبير باللغة العربية، واتباع أساليبها الموروثة وقيمها الجمالية الأخلاقية والدينية والاجتماعية. وكانت ترجمة المؤلف جزءاً أساسياً في هذا النقد؛ يُتًّكَأُ عليها لفهم بعض القضايا في النص. ويدخل هنا مفهوم المؤلف في زمن النص، وفي العلاقة الموجودة بين النص الذي أنتج في زمانه. وربما كان الزمن السياسي أو الاجتماعي هو الذي يعطي لهذا النقد “تاريخيته”.
ويقوم هذا النقد على تصور نظري للأدب، تَصَوُّرٍ يعتمد على المحاكاة بمختلف أنواعها الكلاسيكية. وقد عبر بهذه المحاكاة عن المجتمع أو بدرجة إخلاص النص وصاحبه للواقع والمجتمع، وبالتالي حسن القيام بعكس قيمه الثابتة. ولهذا فمرجع هذا النقد موجود في الماضي المنتقى من طرف النماذج التي صنفها السلف من الأدباء والنقاد على أنها نماذج مثلى يجب السير على منوالها . غاية هذا التصور النظري والجمالي هو المحافظة على موروث السلف الأدبي والأخلاقي والجمالي. كانت تتمثل مهمة الناقد المغربي هنا في مدى قدرته على استدعاء المواصفات اللغوية والبلاغية والتعبيرية القديمة، واكتشاف تمثل النص المغربي لها، والدعوة إلى السير على منوالها بما يكشفه الناقد من جمالية وأصالة تلك الأساليب. كان النقد هنا يعبر عن الذاكرة النقدية العربية الإسلامية القائمة على حسن الرواية الهادفة إلى حسن التعبير عن الدراية بِمَظانِّ الأساليب العربية القديمة؛ علماً أن مفهوم القديم هنا، أو بالأحرى في هذه المرحلة، كان قيمة تاريخية وفكرية وجمالية، وقيمة ذاتية في حد ذاتها، بل تعبير في النهاية عن الهوية، وعن الانتماء إلى هذا التراث وهذه الحضارة العربية الإسلامية العريقة.
ومن أهم ما يحفظ لهذا التوجه من النقد في المغرب الحديث، هو محافظته على القيم المغربية العربية الإسلامية التي كان المغرب يواجه بها القيم الأوروبية الزاحفة في العالم العربي منذ القرن التاسع عشر، ونهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في المغرب. فكل استدعاء للنماذج الأدبية العربية، والعربية الإسلامية القديمة، وأساليب نقدها، سواء في المشرق أو في الغرب الإسلامي أو المغرب ذاته، كان إحياء وتجذيراً للهوية المغربية الإسلامية في مستواها التراثي واللغوي والديني والأخلاقي والقِيَمي والجمالي. ولنا في بعض المؤلفات التي ظهرت خلال النصف الأول تقريباً من القرن العشرين خير مثال على ذلك. ونذكر هنا على سبيل المثال فقط، أعمال القباج والحجوي والنميشي وعبد الله إبراهيم و محمد المختار السوسي وعبد الله كنون. وربما اكتفينا هنا بكتابات علم من أعلام هذه المرحلة، وهو العلامة عبد الله كنون، لأنها كانت تجمع بين التصورات الأدبية والنقدية المذكورة.
ربما نشير هنا إلى كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي للعلامة المغربي عبد الله كنون، لأنه يعبر عن روح عصر تلك المرحلة، وعن روح تلك الكتابة الأدبية والنقدية في مختلف تجلياتها. فقد منعته السلطات الاستعمارية الفرنسية أثناء ظهوره في تطوان سنة 1938، بدعوى ما يمكن وصفه بالإخلال بالأمن العام، عن طريق التشويش أو الحث عليه. ولأنه يؤكد على الهوية المغربية العربية الإسلامية. وقد جاء في قرار المنع الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 19 غشت1938، عدد 1374 ما يلي:
( وحيث إن التأليف المسمى النبوغ المغربي في الأدب العربي الصادر باللغة العربية بتطوان،
من شأنه أن يبقي التشويش أو يحث عليه،
وبغيبة الجنرال القائد الأعلى، أمرنا بما يأتي:
أن التأليف المسمى النبوغ المغربي في لأدب العربي يمنع إدخاله إلى المنطقة الفرنسوية بالإيالة الشريفة، وكذلك عرضة في المحلات العمومية وتعليقه وبيعه وعرضه للبيع وتوزيعه ).
يثبت الكتاب إذاً أن للمغرب الحديث مرجعية متجذرة في التراث المغربي واللغة العربية، والقيم العربية الإسلامية، كما تعبر عنها الأشعار والكتابات النثرية الفنية والنقدية المختلفة التي لا تختلف عن مثيلاتها في المشرق العربي أو الغرب الإسلامي منذ الفتح الإسلامي.
كان النقد في هذه المرحلة يستمد مرجعيته من التراث المغربي العربي الإسلامي، وكان واقع النقد مسكوناً باللغة العربية القديمة وتصوراتها للعالم. وربما كان عالم اللغة العربية القديمة هو الذي يخلق الواقع الفني والنقدي في المغرب. ولعل في ذلك ما يحمي الكيان المغربي المتواصل مع عمق امتداده ونجذره في التراث الحضاري العربي الإسلامي. قد يظهر أن النقد كان يتخذ موقفاً دفاعياً عن الذات وعن حمايتها. وهي سمة ستسم الثقافة المغربية منذ عصور.
أظن أن العد السياسي، الاستعماري والوطني، والإسلامي، وهو الذي شكل رؤية هذا النقد، وكذلك مراوحة بين الماضي العربي الإسلامي في المشرق والغرب الإسلامي، محاولة استعادة الخطاب النقدي الكلاسيكي، واللغة العربية الفصيحة، هو نوع من إثبات الهوية والدفاع عنها في إطار الحضارة العربية الإسلامية، لمواجهة أزمنة الجمود والانكماش على الذات، ومواجهة الآخر الاستعمار، وإثبات تاريخية النقد المغربي امام المشرق، وأمام المستشرقين كذلك.
II– المنعطف الثاني: النقد الواقعي- الاجتماعي
نقصد بهذا النقد تلك الدراسات التي حاولت أن توسع مفهوم المحاكاة وتجعلها لا تحاكي الوقائع المروية كما تحملها النصوص القديمة، كما تحاول أيضاً أن تكون للنصوص لغتها الخاصة بها التي تعبر عن زمنيتها، أي عن حاضرها. الواقعية الاجتماعية لا تحبذ “الغائب”، وإنما تحبذ “الهنا والآن”، الموجود في الواقع المعيش الراهن. وهو ما ركز عليه النقد الفقه لغوي-التاريخي. ولذلك وجد هذا النقد مرجعيته في الدراسات الواقعية تارة والواقعية الاشتراكية تارة أخرى. ويتمثل ما تولد عنها من مفاهيم وظيفية للأدب وللنقد في التعبير عن المجتمع وعن الطبقات الاجتماعية، وأحياناً عن الطبقات الاجتماعية الدنيا. سنكون هنا أمام مفهوم وظيفي اجتماعي للأدب، وأمام نوع من الالتزام الذي يجب أن يقوم عليه الأدب، ويبحث النقد عن تلك المعاني الدالة على دور الأدب الوظيفي الاجتماعي أساساً. ولهذا ستحول الكتابة النقدية الواقعية رؤية الأدب من الماضي إلى الحاضر، ولو على حساب جمالية الكتابة الأدبية.
وأهم ما يسجل لهذا النقد أنه حول اللغة النقدية المغربية من “واقعية متعالية”، كانت مرجعيتها كامنة في اللغة العربية القديمة وتصوراتها، إلى لغة نقدية راهنة تستمد مرجعيتها من واقع المغرب المعاصر التي تعبر عنه وتعكسه بطريقة أو أخرى. إن مفهوم الانعكاس هنا مفهوم آني وراهن بواقع مغربي في مختلف تجلياته الملموسة والمحسوسة. وربما كان لهذا النقد أن حول الممارسة النقدية من استيهام واستلهام الماضي إلى مملموسية الواقع المعيش. ولهذا عرف هذا النقد سجالات وصراعات مع الكتابات الأدبية في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين نتيجة ما حصل في المغرب من تصورات وأحداث سياسية واجتماعية بعد الاستقلال، وما عرفه العالم العربي من نكسات، مع عدم إغفال المجريات العالمية والأوروبية بخاصة.
كان النقد المغربي في هذه الممارسة يهتم بالسياق وبالمجتمع وبالعوامل الخارجية للنص؛ الإيديولوجيا والسياسة والاجتماع. وكان النص هنا يحمل مفهوم الدال الحامل للدلالات الاجتماعية والسياسية أكثر من كونه لغة حاملة للقيم التراثية الماضية ولجمالياته. وكانت جمالياته تتمثل في المضامين والدلالات التي تعبر عن هموم الواقع والمجتمع. ولهذا نجد النقد هنا قد وجه نظرته في نظرية الأدب إلى الوظيفة اكثر من اهتمامه بالدال أو التركيب. ثم إنه بدأ ينوع مرجعيته النظرية، فينتقي من الكتابات المشرقية تلك الكتابات الواقعية التي بدأت تبرز مع بداية الخمسينيات والستينيات. بالإضافة إلى بداية ظهور كتابات فكرية وتاريخية مغربية متنورة، مثل كتابات عبد الله العروي، وبخاصة الإيديولوجية العربية المعاصرة (1967 / 1970)، وبول باسكون، حوز مراكش (1977)، وبعض كتابات الخطيبي، وجماعة “أنفاس”، والمجلات المغربية التي ظهرت مثل، دعوة الحق في مراحلها الأولى وآفاق، وأقلام، ومجلة الأديب، وغيرها. ثم بداية الانفتاح على الكتابات النقدية الأوروبية، والفرنسية بخاصة. كما أنه يمكن أن ندرج هنا كتابالمصطلح المشترك لإدريس النقوري، وسلطة الواقعية لعبد القادر الشاوي، والمؤلفات الأولى لنجيب العوفي.
III–المنعطف الثالث: النقد البنيوي والبنيوي التكويني
في هذه المرحلة سيتوجه النقد المغربي في نظرية الأدب إلى مفهوم النص- اللغة أكثر من اهتمامه بالمؤلف أو السياق. وقد كان للسانيات الحديثة دور هام في إغناء هذا التوجه النقدي، أو ما يعرف بالمنعطف اللساني الذي كان له تأثير كبي على تحليل الخطاب، وربما كان من المنعطفات الأولى التي تلتها منعطفات فكرية أخرى. وكذلك ما جاءت به الشكلانية الروسية، وما تولد عنها من الدراسات البنيوية، وبخاصة البنيوية الفرنسية التي كان لها تأثير على الدراسات النقدية المغربية مع السبعينيات وبدايات الثمانينيات من القرن العشرين. وكانت هذه الدراسات البنيوية تركز على استقلال اللغة الأدبية وعلى مكوناتها الداخلية الصوتية والتركيبية والدلالية وتفريعاتها المختلفة. فتم إرجاع الدراسات النقدية من خارج النص، أي: من السياق إلى داخل النص، إلى اللغة النصية، دون اعتبار للمؤلف أو السياق.
وتزامن هذا التوجه النقدي في المغرب مع ما حصل من تطوير للمنظور البنيوي من طرف بعض المنظرين الماركسيين للنظرية الواقعية، مثل جورج لوكاتش وغولدمان ويوري لوتمان، ثم فيما بعد مكائيل باختين. وتولد عن هذا التصور الاهتمام بالبنية، وبالبنية الدالة في نفس الوقت. أي عدم إغفال الدلالة العامة المشكلة للرؤية للعالم التي ينطلق منها مؤلف النص. ومن هذا التصور تشكلت البنيوية التكوينية التي وجدت صداها في النقد المغربي. ويمكن أن نسجل هنا أن النقد المغربي بدأ يكون لنفسه مرجعيته الخاصة، ولا يستمدها من المشرق فقط، ويكون خطابه التقدي عن طريق القراءة المباشرة للنقد الأوروبي أو بالترجمة التي يقوم بها النقاد المغاربة أنفسهم. ومن ثَمَّ بدأ النقد المغربي يكون مرجعيته الخاصة. وقد ساهمت الجامعة المغربية بالأجيال الأولى المتخرجة منها في تركيز هذا النقد، وكذلك المجلات المختلفة والمنابر الثقافية الإعلامية، والندوات التي يحضرها المختصون الأوروبيون في مجال الدراسات البنيوية والبنيوية التكوينية. وقد ظهرت كتابات نقدية مغربية رائدة في الاتجاه البنيوي والبنيوي التكويني. وقد شملت هذه الدراسات مختلف الخطابات الشعرية والسردية والنقدية والمسرحية الحديثة، وبعض الخطابات الأدبية العربية القديمة كذلك.
لقد وجه هذا الاتجاه النقدي الدراسة النقدية المغربية إلى فضاءات جديدة، تولدت عنها الدراسات الشعرية والدراسات النصية التي أدت أحياناً إلى ظهور ما يسمى بالتجريب في النقد المغربي؛ يكون هاجسه هو الكتابة النقدية في حد ذاتها ومدى قدرة الناقد على تجريب أداته المنهجية أكثر من اهتمامه بالدلالة أو المعنى. فالمعنى قد ارتبط هنا بالشكل الذي هو قدرة التحكم في المنهج أكثر من غايات المنهج ومقاصده. ولكن مع ذلك فلهذا التوجه البنيوي والبنيوي التكوين فضل تكوين وعي نظري باللغة النقدية، وبالمنهج النقدي وبالمصطلح النقدي. وبذلك ظهر نقد مغربي مكتوب بلغة نقدية جديدة ستميز النقد المغربي منذ ذلك الوقت.
ويمكن أن نلاحظ هنا دور العلاقة مع فرنسا، بالخصوص في توجيه الدراسة النقدية المغربية هنا، وكيف أن اللغة الفرنسية لها دور في تشكيل الرؤية النظرية النقدية المغربية مثل التصور الأدبي والفني والثقافي المعاصر.
IV – الدراسات السيميائية
ندخل هنا الدراسات السيميائية- التي تهتم بعلم العلامات وحياتها في مجتمع ما، وموضوعها كل أصناف العلامات- في مجال الدراسات النقدية، لأنها من المعارف التي تهتم بدورها بالتأويل الذي هو مناط النقد كذلك، وإن من منطلقات مختلفة ودقيقة أكثر. فهي تبحث بدورها عن تشكل المعنى، من ضمن ما تبحث فيه، في اللغة الأدبية. وقد ظهرت هذه الدراسات مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين في المغرب. ومن يومها والساحة النقدية المغربية تعرف دراسات سميائية متزايدة، بل أصبحت تحتل مكانة هامة في مجال التأويلات المختلفة التي تمارسها الدراسات النقدية، وتميزت بكتبها ومقارباتها واتجاهاتها الفرنسية والأمريكية.
ساهمت هذه الدراسات السميائية في إغناء تصورنا للأدب وللعالم بفضل قدرتها النظرية والتحليلية على التدليل بكيفية تشكل المعنى في أدق بنياته، وبحكم اللغة الواصفة المحملة بالمفاهيم والمصطلحات التي تختص بها دون سواها. وبذلك قد وسعت من دائرة اللغة النقدية المغربية الواصفة للنص وللعالم الأدبي، ناهيك عن العوالم الأخرى غير الأدبية التي تهتم بها كذلك، وتلك ميزتها عن النقد الأدبي الذي يرتبط بالنص الأدبي وعالم الأدب بشكل أكثر. وتعتبر الدراسات السيميائية المغربية رائدة في العالم العربي. ونذكر من أعلامها على سبيل المثال فقط؛ محمد مفتاح وسعيد بنكراد ومحمد الداهي… .
V – نقد استجابة القارئ
يجمع نقد استجابة القارئ بين (التلقي) الاجتماعي التاريخي و(الوقع) النظري النصي. ولا يقوم هذا النقد إلا بتظافر وتفاعل تيار التلقي وتيار الوقع. ويقوم هذا النقد على اعتبار أن الأدب يتشكل من قطبين أساسيين هما: قطب النص، وقطب القارئ، ولا يتم تحقيق النص إلا بقراءته. فالنص يملك ما يسمى بالفن، والقارئ يملك الجمالية، وسيرورة القراءة المحققة للنص هي التي تعطي للنص جماليته. ومما يحمد لنقد استجابة القارئ أنه انتبه إلى القارئ وإلى أهميته في تأويل النص وتكوين المعنى. ثم إنه قد استكمل دائرة نظرية الأدب التي كانت تتكون من المؤلف والنص والسياق فقط، بالتنظير للقارئ والقراءة وباعتبار المعنى لا يتشكل في النص إلا بالتفاعل بين النص والقارئ.
لقد اهتمت الدراسات النقدية المغربية بنظرية التلقي أو بنقد استجابة القارئ في بدايات الثمانينيات من القرن العشرين، وارتبطت به مباشرة من خلال الكتابات الأوروبية عن طريق التعريب أو الترجمة، أو عن طريق الاتصال بأعلامها مباشرة. وقد ساهمت الجامعة المغربية في توجيه الدراسات النقدية نحو هذا النقد، وساهم الإعلام الثقافي في تداوله في الساحة الثقافية المغربية. ولنا اليوم رصيد من الدراسات والأبحاث في مجال نقد استجابة القارئ. وأصبح ضمن المنظومة النقدية المغربية المتداولة في تأويل النصوص وتحليلها.
VI-الدراسات النقدية الخاصة
نقصد بالدراسات النقدية الخاصة، تلك الدراسات التي اهتمت بخطاب أدبي معين، مثل الدراسات السردية التي تهتم بالسرد القصصي والروائي والسير ذاتي و الحكائي. والدراسات الشعرية التي تهتم بالنص الشعري بمختلف أشكاله وأنواعه. والدراسات الرِّحْلِيَّة التي تهتم بخطابات الرحلة المختلفة والمتنوعة. والدراسات المسرحية التي تهتم بالخطاب المسرحي بمختلف خطابته. والدراسات التي تهتم بالخطاب النقدي. والدراسات النقدية المقارنة رغم قلتها في نقدنا المغربي. والدراسات النقدية للترجمة، وهي بدورها لم تتطور كثيراً في نقدنا. وكذلك الدراسات النقدية التي تهتم بالنصوص التراثية المغربية والأندلسية والمشرقية. كل هذه الدراسات النقدية المختلفة قد أعطت للدراسات النقدية وضعيتها الاعتبارية التي فرضت نفسها في المغرب وفي العالم العربي، فيما يخص بعض الدراسات النقدية والسيميائية. وكلها تشتغل بطريقة أو أخرى مختلف المناهج النقدية التي أتينا على ذكرها. وهي بذلك تساهم، بقدر أو آخر، في الكشف عن ممتلكات وممكنات النص المغربي أو النص العربي عامة.
استشراف
يبدو من خلال استعراض مختلف المنعطفات التي عرفتها الدراسات النقدية المغربية المختلفة في العقود الخمسة الماضية، والتي تجمع بين التصورات النظرية والمنهجية، أنها كانت تشتغل في عدة مستويات لتفرض نفسها وتستدل على جدارتها النظرية والتحليلية والتأويلية. ليس هناك منهج أفضل من آخر، ولكن لكل منهج مجاله التأويلي ومقاصده وفرضياته وأدواته التحليلية يستطيع بها مقاربة النص الأدبي. فإذا أخذنا مثلاً المنهج الفقه-لغوي والتاريخي سنجدهما قد نشآ مع عمليات تحقيق النصوص العربية القديمة. ولذلك يحتاج صاحب هذا النوع من الدراسات النقدية إلى قدرات لغوية وتاريخية واسعة، وإلى دراسات لغوية مقارنه كذلك، لكي يقدم لمؤرخ الأدب نصوصاً صحيحة وواضحة.
ومن القضايا التي تولدت عن هذه الممارسة المنهجية للدراسات النقدية المغربية والتي تثار حول هذا النقد، نذكر ما يلي.
– أن المناهج النقدية المغربي الحديثة مناهج غربية مستوردة وليست وليدة تاريخ النقد المغربي أو العربي ، ولابد من خلق نقد مغربي أو عربي.
– أن النص الأدبي هو الذي يخلق منهجه، فلا حاجة إلى هذه المعرفة المناهج التي تكونت في عوالم أخرى.
– أن المنهج الصحيح هو المنهج المتكامل الذي يستعمل مختلف المناهج عوض منهج واحد فقط.
– أن الذين يوظفون المناهج الحديثة ينشغلون بالمنهج أكثر من انشغالهم بالنص، أي أنهم تجريبيون أكثر مما هم نقاد يبحثون عن المعاني وعن التأويلات والدلالة…
– أن لغة الدراسات النقدية الحديثة لغة مبهمة ومشبعة بمصطلحات وتعابير غير واضحة. ولهذا يصعب إدراكها وفهم إنجازاتها.
– أن هذه المناهج الحديثة ابتعدت عن النص وانشغلت بالمسائل الإجرائية أكثر.
– أن هذه المناهج توظف علوماً ومعارف لا علاقة لها بالأدب.
مثل هذه القضايا وغيرها تدعو الدراسات النقدية الحديثة إلى مواصلة عملها وتدقيق أدواتها وتوضيح تصوراتها. وهذا أمر مطلوب في البحث الجاد الذي يريد أن يفرض فعاليته وجدواه. ولكن هل من المعقول اليوم أن نسأل مثل هذه الأسئلة ونطرحها على النقد المغربي بشكل عام. ونحن نعلم أن هناك دراسات نقدية ناضجة تجيب عن التساؤلات المذكورة. فالدراسات النقدية الجيدة المتداولة اليوم في المغرب وفي العالم العربي تشهد بمدى عدم جدوى هذه الأسئلة. فإذا كانت بعض الدراسات النقدية المغربية تدخل ضمن بعض ما ذكر من القضايا، فليس معنى هذا أن المناهج الحديثة هي المسؤولة. إن القياس في هذا الأمر يكون بالمنجز النقدي الذي يساعدنا على فهم نصوصنا وعالمنا وأنفسنا بشكل أغنى وأوسع وأدق. وبهذا سندفع نقدنا إلى الانفتاح أكثر على عوالم معرفية نظرية ومنهجية أخرى، تغني منظومتنا النقدية وتكشف عن أسرار عبقرية أدبنا وتراثنا الأدبي، مثل الدراسات الثقافية المختلفة والدراسات ما بعد الاستعمار وغيرها من الدراسات النقدية الجديدة الأخرى. وهذا ما يمكن أن نطلبه من الدراسات النقدية المغربية أن تقدمه لنا في المستقبل.
الهوامش:
* G. Steinmetz, State/Culture: State-Formation after Cultural Turn (The Wilder House Series in politics, History and Culture), Ithaca, NY. Cornell University press, 1999, pp. 1-2.
*Beyond the Cultural Turn, Victoria E. Bonnell and Lynn Hunt (Editors), Hayden White (Afterword), University of California Press, Berkeley and Los Angeles, 1999.
ملحوظة: ألقيت هذه المحاضرة مساء يوم الأربعاء 13فبراير 2013، بالمكتبة الوسائطية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وذلك في إطار برنامج شراكة بينها وبين جمعية رباط الكتب