الأحد , 13 أكتوبر, 2024
إخبــارات
الرئيسية » قـــراءات » الشيخ الغزواني، أحد “سبعة رجال”

الشيخ الغزواني، أحد “سبعة رجال”

 

سعيدة الأشهب، زوايا عبد الله الغزواني، مراكش،منشورات مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، سلسلة مراكشيات، مراكش،2015.

 

kiraat_1515_03اختارت سعيدة الأشهب، الباحثة في تاريخ الرباطات والزوايا في المغرب، كموضوع لكتابها الحديث الصدور، متصوفا من متصوفة القرن العاشر الهجري الموافق للقرن السادس عشر الميلادي، هو أبو محمد عبد الله بن محمد المدعو عجال الغزواني، وهو اختيار نابع حسب الباحثة من كونه حلقة أساسية في تاريخ التصوف المغربي والوارث الثاني للطريقة الجزولية وأحد المحافظين على مبادئ الطريقة خاصة على ذلك التوازن بين علم الظاهر وعلم الباطن، إلى جانب مشاركته هموم المجتمع عن طريق انخراطه في إصلاح الأرض وتعميرها وإطعام الجياع ومساعدة المحتاجين.

قسّمت الباحثة كتابها إلى أربعة فصول، مهدت لها بتقديم حللت فيه أهم المصادر والمراجع المعتمدة في تحرير الدراسة، وذيلتها بخلاصة وملحق وبيبليوغرافيا، لتصل صفحات الكتاب إلى 178 صفحة.

حمَل الفصل الأول عنوان الشيخ المؤسس، وهو فصل كرسته الباحثة لعرض حياة عبد الله الغزواني، أثارت فيه قضية الأصل العربي للشيخ ونسبه الذي طاله التحريف من كتاب لآخر، وتوقفت عند تاريخ ولادة الشيخ مُبدية تحفظها من التاريخ الذي ساقه هنري دوكاستري، لعدم إحالته على المصدر الذي استقى منه ذلك التاريخ. ثم كشفت عن المسار التعليمي للغزواني، مشيرة إلى أخده العلم في البدء عن والده، ثم انتقاله فيما بعد لطلب العلم بمدرسة الوادي في عدوة الأندلس بفاس. هذا وقد نقلت الباحثة خبرا من خانة الظن إلى خانة اليقين دون تقديم أدنى حجة تدعم هذا النقل، ويتعلق الأمر بوجود متصوف ذي كرامات يزعم الناس أنه أخ الغزواني، فاعتبرت الباحثة الخبر خبرا صحيحا رغم عدم تواتره في كتب التراجم، بل جزمت بأخذ الغزواني العلم عن هذا الأخ ذي الكرامات.

من جهة أخرى، أفاضت الباحثة في الحديث عن التصوف لدى الغزواني، معتمدة بالأساس على كتابه المسمى النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية، فأبانت عن سيرورة انخراطه في التصوف عن طريق إرشادات أبي الحسن علي صالح في فاس وتربية الشيخ عبد العزيز التباع في مراكش، مُستعرضة مُختلف النصوص المتعلقة بالموضوع والمنبتة في كل من النقطة الأزلية ودوحة الناشر ومرآة المحاسن والإستقصا والسعادة الأبدية وممتع الأسماع… وفي هذا الصدد أشارت الباحثة إلى أن أول عمل قام به الغزواني بأمر من التباع هو رفع الحطب إلى الزاوية ورعاية الدواب وحياطة البستان وخدمته…، وهي أعمال ربطتها الباحثة في البداية بالمؤهلات الجسمانية للغزواني، فقد كان معروفا بضخامة جسمه وقوته البدنية، ثم جعلت منها مرادفا لمصطلح الخدمة لدى المتصوفة، مُبرزة مقاصدها وهي مُجاهدة النفس وتهذيبها. فحتى يتم إنتاج الولاية، كان من الضروري على الولي المستقبلي مجاهدة نفسه، بوسائل متعددة من بينها الصحبة، في انتظار بلوغ الكرامة وإثبات الصلاح، “فالمريدية إرادة وانقياد في الآن ذاته، إنها إرادة لجني البركة وبلوغ المشيخة، وانقياد وإعلان للخضوع في سبيل التعلم والبناء، خضوع قد يصل في بعض الأحيان إلى محاكاة المريد لبضع المهام الأنثوية لفائدة شيخه كالطبخ وغسل الأواني وتنظيف البيت”[1].

تقدم الباحثة فيما بعد، السند الصوفي للشيخ الغزواني رافعة إياه إلى محمد بن سليمان الجزولي ومن هذا الأخير إلى أبي الحسن الشاذلي، مُبينة خصائص طريقته الجزولية التي حافظ عليها، وهي إصلاح التصوف وقوام ذلك الثقة الكاملة في الله والاقتداء بالسنة ومجاهدة النفس، والاقتداء بشيخ سالك، والتفقه في الدين والعناية بالعبادة والذكر والاهتمام بالصلاة، إلى جانب الاهتمام بالجهاد ضد الغزو الإيبيري، وإن لم يثبت اشتغال الغزواني بمقاومة الإيبيريين.

أما الفصل الثاني من الكتاب، فخصصته الباحثة لتأسيس الزوايا الغزوانية، وهو فصل تميز بالجمع بين التأريخ لزوايا عبد الله الغزواني من خلال المصادر المكتوبة من جهة والوصف المعماري لبقاياها من جهة أخرى، وهو ما افتقدناه في العديد من الدراسات حول الغزواني وزواياه.

اختارت الباحثة هنا استعمال لفظ الزوايا بلد الزاوية، لان الغزواني أسس أكثر من زاوية واحدة، قامت الباحثة بتتبعها، فذكرت أن أول زاوية قام بتأسيسها كانت بقرية تسمى تاصروت أو تازروت في بلاد الهبط بإشارة من شيخه التباع، لكن آثارها اختفت، ولم تتمكن الباحثة من تحديد موقعها بالضبط. أما الزاوية الثانية، فأسسها سنة 919 هجرية بمدينة فاس خارج باب القليعة داخل باب الفتوح، لم يبق منها إلا بعض الجدران بعد خرابها، وقفت عليها الباحثة وقامت بتصويرها. وفي الأخير أسس الغزواني زاويته المعروفة بمراكش في حومة القصور، وهي عبارة عن مجمع يتكون من الضريح والمسجد ومرافقهما، إلى جانب الكُتاب والمجزرة والمقبرة ومقر سكنى الشيخ والطلبة، خصّت الباحثة كل ذلك بوصف معماري دقيق نقلا عن العربي بروان[2] دعمته بتصاميم وصور فوتوغرافية قديمة وأخرى حديثة.

أما الفصل الثالث من الكتاب، فجاء تحت عنوان الشيخ والزاوية في الخريطة الصوفية المغربية، عرضت فيه الباحثة للدور التربوي للشيخ الغزواني، مبرزة إياه من خلال تقديم لائحة طويلة ضمت صدور المشايخ من أتباع الغزواني، وقد انتمى جُلهم للمناطق الشمالية، وهو ما عللته الباحثة بكون الفترة التي انشغل فيها الشيخ الغزواني كثيرا بتربية المريدين هي تلك التي قضاها بزاويته في بلاد الهبط، خاصة أنه قضى بها ثلاثين عاما قبل انتقاله إلى فاس وتأسيس زاويته الثانية. وتفسر الباحثة الإشعاع الكبير للشيخ الغزواني وإقبال المريدين عليه، بأسلوبه في التربية الصوفية، فقد عُرف عنه التزامه بروح الطريقة الجزولية أي الاهتمام بعلمي الظاهر والباطن وجعلهما في نفس المنزلة.

أما اختياره خلفا للشيخ التباع على رأس الطائفة الجزولية، فكان بإجماع من رفاقه بعدما تبينت لهم قطبانيته في علوم الباطن، بل رجّحت الباحثة تدخل الأشراف السعديين، وترجيحهم كفة الغزواني على بقية الشيوخ المنافسين له على رئاسة الطائفة. أما عن أسباب اختياره واحدا من الرجال السبعة لمراكش، فهي حسب الباحثة توفيره الأمن والاستقرار على المستوى السياسي والاجتماعي والنفسي لأهل مراكش.

تخلص الباحثة بعد ذلك، إلى الفصل الأخير الذي خصصته لإبراز العلائق بين الشيخ والزاوية والمجتمع. فإلى جانب الأدوار العلمية والتربوية التي نهض بها، اهتم الغزواني بالعمل الفلاحي، من خلال الزراعة واستنباط المياه وشق السواقي وإحياء الأراضي الموات وتشجيع الناس على فعل ذلك خاصة خلال فترات القحط وانحباس المطر، كما اهتم بإطعام الفقراء والمحتاجين في أوقات المجاعة وخارجها، بل طالت الكرامة هذا الفعل فأمسى الطعام القليل كثيرا. كما تعرضت الباحثة للعلاقة بين الشيخ الغزواني والسلطة، فأبرزت ملامح التوتر التي طبعت هذه العلاقة، مُحيلة في ذلك على حدث استقدام الغزواني إلى مدينة فاس بأمر من السلطة الوطاسية وزجه في السجن، ثم خروجه من فاس بعد اختلافه مع أحد الأمراء الوطاسيين حول أحد مشاريعه السقوية ذات المضمون الاجتماعي، بل وإعلانه عن قرب تحول السلطة من الوطاسيين إلى الأشراف السعديين، ومُناصرته لهؤلاء فيما بعد ضد الوطاسيين حسب استنتاجات الباحثة. وتُنهي الباحثة هذا الفصل، بوصف الطقوس المرافقة لموسم عبد الله الغزواني، انطلاقا من مُعاينتها المباشرة لهذا الموسم سنتي 2004 و 2005.

أما الملاحق المُرفقة بنص الكتاب، فهي خاصة بنص الوظيفة التي يرددها الفقراء كل يوم خميس ما بين صلاة المغرب والعشاء، إضافة إلى قصيدة الشيخ عبد الله الهبطي في رثاء شيخه الغزواني، ومجموع كرامات الشيخ الغزواني المتناثرة في المصادر، وخريطة توضح موقع حي القصور بمراكش، إلى جانب صُور لبعض النسخ المخطوطة والمرقونة من كتاب النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية، وصُور فوتوغرافية لأحفاد الشيخ الغزواني الذين التقت بهم الباحثة خلال زيارتها الميدانية في مراكش.

لاشك أن كتاب سعيدة الأشهب إضافة مهمة للمكتبة التاريخية والصوفية المغربية، لكنه لا يخلوا من بعض الهنات التي كان على الباحثة الانتباه لها قبل نشر الكتاب، وأولاها عدم استغلالها لعدد من الدراسات المنجزة قبل نشر كتابها حول الغزواني[3]. كما أنها حَرّفت عنوان كتاب عبد الله الغزواني في كل صفحات كتابها، فذكرت أن اسمه النقطة الأزلية في سر الذات الإلهية، في حين أن اسمه حسب المخطوطات المتوفرة و حسب كل الدراسات هو النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية، بل قدمت الكتاب على أنه كتاب من كُتب السيرة، في حين أنه عبارة عن مراسلات وإجابات عن أسئلة تلاميذ الغزواني، من المريدين وغيرهم في حلقات درسه داخل زاويته بحومة القصور في مراكش، أو إجابات لبعض العلماء خارج الوطن كاللقاني، أو داخله كالهبطي[4].

ويغيب التحيين على الكتاب في عدة مواقع، فهي تتحدث مثلا عن الخزانة العامة رغم تحول اسمها إلى المكتبة الوطنية، وتعتمد على الطبعة الحجرية لكتاب سلوة الأنفاس مع العلم أنه محقق ومطبوع، كما تعتمد النسخة المخطوطة من كتاب إظهار الكمال في تتميم مناقب سبعة رجال مع أنه محقق ومطبوع مرتين، المرة الأولى سنة 2010 والثانية سنة 2013.

كما يغلب على الكتاب النقل المطول من المصادر، خاصة كتاب النقطة الأزلية للغزواني، فالباحثة لا تتورع عن النقل الحرفي لمقتطفات مطولة من الكتاب تصل أحيانا إلى صفحتين متتابعتين، ونجدها تقتصر أحيانا في بعض فصول الكتاب على الربط بين نصوص تاريخية متوالية بجمل قصيرة، دون تدخل منها لتلخيص محتواها أو نقدها أو مقارنتها.

يضاف إلى هذا، ضعف جودة مجموعة من الصور الفوتوغرافية المُوظّفة في الكتاب بل واضطراب بعضها وعدم توثيقها، أما الخرائط، فهي رديئة إلى حد كبير، فقد عمدت الباحثة إلى إقحام بعض الرموز بخط اليد في مفاتيح الخرائط الجاهزة (الخريطة ص. 52) ووضع البعض منها بشكل مشوه في الكتاب (الخريطة ص. 54) وتصوير خريطة من غلاف كتاب (الخريطة ص. 115) وإعادة نشر خريطة مرسومة يدويا (الخريطة ص. 120) وتشويهها أثناء وضعها في الكتاب، بل والاحتفاظ بعدد كبير من الأرقام داخلها دون الإحالة عليها في المفتاح لفهم دلالتها.

 

[1] العطري (عبد الرحيم)، بركة الأولياء، بحث في المقدس الضرائحي، الدار البيضاء، شركة النشر والتوزيع المدارس، 2014، ص. 49-48.

[2] Berouane ( L.), Les monuments funéraires de Marrakech, Recherches d’Histoire et d’Archéologie, Mémoire de fin d’études du 2e cycle, I.N.S.A.P., 1998.

[3] من بين الدراسات التي أهملت الباحثة الاستفادة منها: جلاب )حسن(، أبو محمد عبد الله الغزواني (مول القصور)، سلسلة أعلام التصوف المغربي، رقم 2، مراكش، المطبعة والوراقة الوطنية، 2005، 222 ص.، ومنصر (بوشعيب)، الفكر الصوفي والزوايا في مراكش: النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية لأبي محمد عبد الله الغزواني أنموذجا، الدار البيضاء- أفريقيا الشرق، 2015. 462 ص.

[4]نفسه، ص. 59.

- سمير أيت أومغار

باحث من مراكش

أضف ردا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.