يتكون كتاب ميشال أبيتبول، تاريخ المغرب، من 673 صفحة، منها 600 صفحة للمتن و23 صفحة للإحالات، و15 صفحة للبيبليوغرافيا، و8 صفحات للخرائط، و20 صفحة للفهارس. وتتسم لغة الكتاب بانسيابيتها وسهولة عباراتها. وتتوزع المضامين بين ستة أقسام بدون مقدمة ولا خاتمة، يتناول الأول مرحلة “العصور القديمة إلى الغزو العربي”، والثاني “عهود الإمبراطوريات الأمازيغية الكبرى”، والثالث “زمن الشرفاء”، والرابع “المغرب في مواجهة أوروبا”، والخامس “حقبة الاستعمار الفرنسي”، والسادس “المغرب المستقل”.
يستهل المؤلف عمله بالحديث عن كون المغرب بقي وإلى غاية العصر الحديث بلدا قاريا متمحورا ومتمركزا حول جبال الأطلس، ومحتضنا بشكل دائم للساكنة وموليا ظهره للبحر. ويتطرق للمغرب القديم ضمن إفريقيا الشمالية باعتباره مجالا ظل باستمرار مصدرا للعديد من الأساطير، وهو ما قاده إلى سؤال جوهري ومثير للجدل متعلق بأصول ساكنة المغرب، والذي أثار حسب رأيه نقاشات خلال المرحلة الاستعمارية، وغداة الاستقلال: الليبيون، والنوميديون، والمور، والبربر…لينتهي إلى الإقرار بصعوبة إعادة بناء الخطوط الكبرى للتطور التاريخي للأمازيغ قبل اتصالهم بالإمبراطوريات الكبرى في العصر القديم. وإذا كان من المؤكد في نظره، أن الأمازيغ لم يعيشوا في عزلة، بقدر ما ارتبطوا ثقافيا بمحيطهم الجهوي والدولي، فإن الوجود البونيقي بالمغرب لم يتخذ أبدا طابعا سياسيا معلنا وصريحا. كما أن الرومان، وعلى شاكلة الفينيقيين، لم يخلفوا بصمات حضارية قوية كتلك التي تركوها في بلدان شمال إفريقيا الأخرى، إذ أن غلبة الطابع العسكري على هيمنتهم لم يؤثر لا على الديمغرافيا، ولا على التنظيمين الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. ومن ثم ظلت آلية الرومنة جد سطحية وعاجزة عن النفاذ خارج المراكز الحضرية. وقد استهدف الاجتياح البيزنطي إحياء الوجود الروماني بالبلاد.
وانتقل المؤلف بعد ذلك إلى تناول المغرب ما بين القرنين VII و XI الميلاديين، ليقف على ما نعته بالغزو العربي، وما تلاه من سوء معاملة الأمويين للأمازيغ الذين لم يجدوا بدا من الارتداد عن الإسلام، والانخراط في ثورات الخوارج الشبيهة في نظره بالثورة الدوناتية ضد المسيحية.
ومثلت الأسرة الإدريسية مناسبة لميلاد أول مملكة شريفة بالمغرب المتسم بالصرامة الدينية والمذهبية المستمدة من ثقافة التعدد التي جمعت بين اليهودية والوثنية وبين المذاهب الشيعية والموساوية والمالكية والإعتزالية. وأسفر الإسلام من منظوره عن التقريب بين المناطق وساكنتها من خلال توحيد اللغة، وتبني قيم ومعايير جديدة، وإقرار سلطة سياسية مركزية، واعتماد التجارة العابرة للصحراء كقناة للتواصل مع حضارات إفريقيا جنوب الصحراء، والمشرق، وأوروبا، والمغارب.
وانتقل في القسم الثاني إلى تناول الإمبراطورية الوسيطية، معتبرا أن المرابطين نجحوا في تكوين كيان وحد سياسيا ودينيا المغرب والأندلس، مما مكن من إحداث مثاقفة بلغت تأثيراتها الصحراء الإفريقية الكبرى، التي شكلت مواردها أحد أسس التوسع الاقتصادي لإمبراطورية عدها من أبرز إمبراطوريات العالم الإسلامي آنذاك، والتي سادت في سياقات إقليمية ودولية اتسمت بهيمنة واضحة للمسلمين، بخلاف الإمبراطورية الموحدية التي كانت مدعوة لتحمل أولى تبعات التراجع السياسي والعسكري للإسلام في البحر المتوسط، حيث انطلقت حركة الاسترداد، واندلعت حروب الصليبية، وبدأ النورمان في اقتطاع سواحل إفريقية، واجتاح المغول بغداد. وبالرغم من ذلك، فقد تمكن الموحدون من إحداث تنظيمات إدارية وجبائية وعسكرية واقتصادية وثقافية غاية في الأهمية ساهمت بما لا يدع مجالا للشك في صقل تجربة سياسية مغربية متميزة.
ورأى المؤلف في الحركة المرينية المفتقرة إلى إيديولوجيا دينية والساعية إلى التقرب من الشرفاء، إعادة لإحياء الإسلام المغربي الذي حافظ على شخصيته إلى غاية العصر الحديث، والمستمدة من الشرع والتصوف الشعبي. غير أن حكم الأسرة المرينية تزامن مع ظرفية أضحت فيها ضفتا المتوسط تتباعدان عن بعضهما البعض، في الوقت الذي أضحت فيه التأثيرات الاقتصادية والسياسية والثقافية على جانبي الصحراء الكبرى تتخذ أهمية متزايدة. وتبنى البلاط المريني ومن بعده الوطاسي تنظيمات احتفالية محكمة، بل ساهم في مأسسة مختلف الممارسات الدينية بالمغرب من قبيل تخليد ذكرى المولد النبوي والركب الرسمي للحج، ومنظومة الأولياء والمقابر والأضرحة. وعبرت هذه التوجهات من وجهة نظر المؤلف عن مظاهر التجديد الروحي والثقافي الذي شهده المغرب في بداية القرن XIII ، والذي اتسم بتعدد الزوايا والطرق الصوفية، وهو ما تزامن مع انبعاث ظاهرة الشرف من جديد في تداخل مع الأفكار المهدوية الممهدة لميلاد الدولة السعدية التي شكلت العصر الأول من القسم الثالث، وهي حركة تحرير مغاربية حسب المؤلف، ذات نفحة صوفية قامت في وجه توسع إبيري اتخذ رداء الحروب الصليبية، ولم تمثل المغرب فحسب، وإنما الجناح الغربي لدار الإسلام في سياق ظهور الدولة العثمانية وما واكبه من قلب موازين القوى بالبحر المتوسط الغربي.
ومثل حكم أحمد المنصور أوج عظمة الدولة السعدية، إذ بعد استفادته الكبرى من إنجازات أخيه عبد المالك، وإحاطة شخصه بهالة من السمو والأبهة، وتخليه عن الجهاد، وحذره الشديد من الأتراك والإسبان معا، وغزوه للسودان، تمكن من فرض نفسه باعتباره فاعلا أساسيا في السياسة الدولية لعصره، كما نجح بفعل آلة عسكرية محترفة، وسياسة اقتصادية قائمة غلى الاحتكار، وإدارة »وطنية «من أن يجعل من نفسه أول وأكبر ملك »حداثي« بالمغرب. غير أن ما أعقب وفاته من صراعات بين أبنائه، أفقد كل تلك الإنجازات بريقها، وأعاد البلاد إلى جو التشتت والخراب الذي امتد حتى بروز حركات ابن أبي محلي، والحاحي والسملالي، والدلائي، والعياشي. وهو الأمر الذي جعل ظهور العلويين مرتبطا بنفس مناخ الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والدينية وما لازمها من تفكك داخلي وضغط أوروبي في السواحل. وهو ما يفسر وصول هذه الأسرة إلى الحكم اعتمادا على إمكانياتها الذاتية وليس على الزوايا التي صادرت منها وظائفها التحكيمية على المستوى المحلي، وشرعيتها السياسية والدينية على المستوى الوطني.
وتعد مرحلة حكم المولى إسماعيل الطويلة قاعدة لترسيخ بنى الدولة داخليا من خلال تأسيس جيش جديد، وإدارة البلاد بيد من حديد، وخارجيا عبر حقب المد والجزر التي شهدتها العلاقات مع أوروبا والإمبراطورية العثمانية. ومن أوضح تداعيات أزمة الثلاثين سنة التي أعقبت وفاة هذا السلطان، حدوث تحولات ديمغرافية واجتماعية بارزة تمثلت في تحركات سكانية ولسعة، ونزيف ديمغرافي خطير، بل وعن تفقير جلي للبلد تنعدم فيه الأمن في كل الأرجاء. ولم تتم إعادة التوحيد واستقرار الأوضاع إلا مع السلطان سيدي محمد بن عبد الله »الشريف وأمير المؤمنين المجاهد«، والذي تمكن من إعادة تكوين جيش جديد، وشجع الجهاد البحري، وفرض إتاوات غلى الدول الأوروبية، واعتمد في موارده على التجارة الخارجية وتصدير الحبوب، وشيد ميناء الصويرة، ووقع جملة من المعاهدات التي فتحت الباب للقناصل والوكلاء التجاريين للاستقرار بالمغرب.
وتزامن حكم المولى سليمان، الذي جمع بين المحافظة الدينية والحذر الدبلوماسي، مع الحروب الأوروبية، وما أفضت إليه من تراجع في التجارة الخارجية، فحصن الموانئ، ووضع حدا للجهاد البحري، وأغري بالوهابية، وانتقض ضد الطرقية، غير أن التمردات الأمازيغية وهزائمه أمامها عصفت بحكمه، فترك مغربا ضعيفا عسكريا وهشا أمنيا.
ينفتح القسم الرابع على التحولات المتراكمة في أوروبا القرن التاسع عشر، وانعكاساتها على مبدإ التوازن القائم بين العالم الإسلامي وأوروبا، إذ توالت الهزائم العثمانية، ووصلت حملة نابوليون إلى مصر، واحتلت الجزائر، وتعرضت الموانئ المغربية لهجومات فرنسية واسبانية. فلم يجد المولى عبد الرحمان بدا من إحياء التجارة الخارجية بفعل وهن الجيش وضعف الأسطول أمام البحريات الأوروبية، فوقع مجموعة من الاتفاقيات. غير أن تبعات الغزو الفرنسي للجزائر، أقحمت المغرب في صراعات دبلوماسية ومناوشات حدودية توجت بهزيمة إسلي، وبتبدل موقف السلطان من حركة الأمير عبد القادر، وبقبول إصلاح الجيش من قبل الفرنسيين الذين سرعان ما تنبهوا إلى بداية رجحان كفة بريطانيا عقب توقيع معاهدة 1856، بل وازدياد نفوذها ارتباطا بحرب تطوان ونتائجها. وأسفر هذا الانفتاح بمختلف تجلياته عن ظهور مغرب أطلنتي حديث على مستوى المدن الساحلية ومنفتح على الخارج، ومغرب تقليدي بالحواضر الكبرى، حيث تعيش نخبة مخزنية متحضرة. وهكذا بدأت معالم بورجوازية تجارية مغربية مكونة من تجار السلطان ومحتكرة من قبل أسر محدودة مسلمة وذمية تتبلور تدريجيا. وبالمقابل تزايد عدد الأوروبيين، وما رافقه من تدخل للقناصل والممثلين الدبلوماسيين في شؤون البلاد، والضغط عليها لإدخال إصلاحات هيكلية، ولمنح المزيد من الامتيازات للمحميين الذين ما فتئت دائرتهم تتوسع يوما بعد يوم. وبالفعل نجح دريموندهاي في فرض جملة من الإصلاحات همت المجالات العسكرية والإدارية، وأغفلت التربية والتكوين, لكن مؤتمر مدريد سرعان ما أعاد فرنسا للواجهة المغربية وتحديدا منطقة توات، وهو ما أفضى إلى حرْكة الحسن الأول إلى سوس. غير أن وفاة هذا السلطان أرجعت المغرب إلى زمن الشك من جديد، إذ أثير النقاش حول إمكانية العودة إلى الجهاد ضد الفرنسيين. ومن ثم جسد اعتلاء المولى عبد العزيز العرش بداية لنهاية “المغرب العتيق”. فبعد سنوات من استبداد الحاجب باحماد، أدت ضريبة الترتيب إلى زعزعة الأوضاع الأمنية والمالية للمخزن وواكبها توقيع بروتوكول يرسخ الوجود الفرنسي بتوات، ويفسح المجال على مصراعيه لسياسة بقعة الزيت التي تبناها ليوطي، ليأتي مؤتمر الجزيرة الخضراء باعتباره محصلة لتطويق المغرب على جميع الأصعدة، والمناداة بالمولى عبد الحفيظ سلطانا جديدا، والذي لم يستطع بدوره وقف المد الاستعماري، ليجبر على التوقيع على الحماية، والتخلي عن العرش لفائدة مولاي يوسف.
واستهل القسم الخامس بالتطرق للمغرب زمن ليوطي، الذي كان مقتنعا بخصوصية المغرب مقارنة بالجزائر وتونس، فحافظ على أصالة المخزن بقيادة السلطان، وعلى اختصاصاته التقليدية، ودخل في مواجهة المقاومة المسلحة، ليمهد السبيل أمام الاستثمار الاقتصادي الاستيطاني المؤطر من قبل المؤسسات المالية الفرنسية. وبالرغم من إصراره على ترسيخ تصوراته المعمارية بالمدن الكبرى، فقد تحفظ كثيرا على انفتاح المجتمع المغربي على الحداثة، فحرص على منعه من سبل التشبع بأفكار التغيير القادمة من أوروبا. ولما انتهى عهد هذا المقيم العام، تغير أسلوب حكم الحماية، وتم تعيين محمد بن يوسف، وإصدار الظهير البربري، وما أفرزه من احتجاجات تبلورت معها محددات الحركة الوطنية، التي خاضت معارك شد وجذب طويلة ومكثفة مع سلطات الحماية، كان أبرز محطاتها خطاب طنجة ومؤتمر أنفا، ونفي السلطان، وتدشين المواجهة بين القصر والإقامة العامة، والتي مهدت الطريق لعمليات جيش التحرير التي قادت إلى استقلال البلاد، والتي شكلت موضوعا للقسم السادس والأخير من هذا الكتاب، الذي وقف على ما بعد أحداث عودة محمد بن يوسف من المنفى، وشد الحبل بينه وبين حزب الاستقلال، وتعطل مختلف القطاعات الاقتصادية للبلاد، وانهيار العملة، ومخلفات خطف أعضاء جبهة التحرير الجزائرية على متن طائرة مغربية. ليختم المؤلف بتناول عهد الحسن الثاني، من خلال الوقوف على سنوات الرصاص، وسنوات المؤامرات بما فيها الصراعات السياسية مع الأحزاب المعارضة، والمحاولات الانقلابية، وصولا إلى ما نعته بالانطلاقة الجديدة مع الميسرة الخضراء، وما تلاها من توجهات سياسية، ونهج اقتصادي ومالي، لينهي مؤلفه بالحديث عن ما أطلق عليه “التحدي الإسلامي”، أي الصراع بين إمارة المؤمنين والجماعات الإسلامية المعارضة.
تتلخص أهم الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها من قراءة خلال العمل فيما يلي:
1- لقد تناول المؤلف تاريخ المغرب في إطار الوزن الذي كان يتمتع به في المغارب، ثم في حوض البحر الأبيض المتوسط، وإفريقيا الغربية، لذا فقد حرص كل الحرص على تأكيد فكرة محورية على امتداد فصول العمل مؤداها امتلاك المغرب لهوية تاريخية متميزة، وريادة إقليمية واضحة. وفي هذا السياق، لم يدخر وسعا في التذكير بحدود المغرب التاريخي منذ عهد المرابطين والموحدين، وخاصة منذ العهد السعدي، ثم الإسماعيلي، وعهد سيدي محمد بن عبد الله، وأخيرا الحسن الأول. كما وقف كثيرا عند نوعية العلاقات التي نسجها المغرب مع مجاله الصحراوي، سواء من خلال التسيير المباشر أو عبر الزوايا والطرق الصوفية، لينتهي في خاتمة عمله إلى التأكيد على مغربية الصحراء بدون منازع، وعلى حقوقه التاريخية فيها، مستندا إلى الرصيد الوثائقي الذي اشتغل عليه سواء فيما يتصل بمجال تومبوكتو، أو بيهود إفريقيا.
2- تتطرق هذه الدراسة لتاريخ المغرب باعتباره تاريخا للهجرات وللعبور في شتى الاتجاهات، وتاريخا لمغرب متعدد الديانات والعادات والتقاليد، وتاريخا لمغرب منفتح على كل التأثيرات. وخصص في هذا الصدد صفحات كثيرة للعلاقات التي جمعت بين المسلمين واليهود على الخصوص، فبعد أن تناول أوضاع اليهود قبل الإسلام والاضطهادات التي تعرضوا لها من قبل الرومان ثم المسيحيين، تتبع أنواع الضغوط التي مارسها عليهم الموحدون للتخلي عن ديانتهم واعتناق الإسلام، وما نعته بالمذابح التي مورست عليهم حسب شهادة الناجين، ثم ما أسماه تعسفات أبي عمران الجوطي ضدهم خلال العهد المريني. ولم يفته التفصيل في أدوارهم في التجارة، وفي وضع الخرائط، خاصة بعد نزوح أعداد هامة منهم من الأندلس، إذ كان لهم الفضل في تنشيط التجارة مع الأقاليم المتحدة. بالمقابل، اعتبر أن كل المآسي التي كانت تلحق بالمجتمع من قحوط ومجاعات وأوبئة كانت تلصق باليهود. وارتبط تقوي نفوذهم بتزايد الضغوطات الأوروبية، وما واكبها من اتفاقيات، جعلت منهم “طائفة على درب التغيير” على حد تعبيره، إن اجتماعيا أو اقتصاديا، إذ استفادوا من ظهائر سلطانية وامتيازات أوروبية مكنتهم من الترقي في السلم الاجتماعي، ومن الهجرة إلى الخارج. وختم بالحديث عن أوضاعهم تحت الحماية فيما يتصل بتنظيم طائفتهم وتعليم أبنائهم، ليقف عند مستويات التوترات التي اندلعت بينهم وبين المسلمين جراء تطورات القضية الفلسطينية خلال الثلاثينيات، ونشاط الحركة الصهيونية بالمغرب، ثم ما أعقب ذلك من رفض السلطان تطبيق مذكرة فيشي في حقهم، وما تلاه من تداعيات إعلان دولة إسرائيل. لكنه في تحاليله لأوضاع اليهود، التي خصص لها ما يربو على عشر الكتاب أي أكثر من 60 صفحة استمد بعضها من مصادر عبرية، ظل حريصا كل الحرص على اعتبار العنصر اليهودي مكونا أساسيا من المكونات التاريخية للمجتمع المغربي. كما حاول أن ينحو قدر الإمكان سبيل التوازن في فترات المد والجزر التي كانت تطال العلاقات بين الطرفين.
3- يصنف م. أبيطبولM .Abitbol في خانة الكتاب الأفريقانيين والمستشرقين، وهو مختص في تاريخ اليهود وتاريخ إفريقيا الشمالية، إذ له عدة مؤلفات في هذا الإطار: إن السؤال الذي لازمني طيلة قراءة فصول هذه الدراسة، هو إلى أي حد تمكن المؤلف من نسج تألفة تركيبية لتاريخ المغرب؟
4- تعتمد الدراسة على كم هائل من المصادر والمراجع المتنوعة بلغ عددها 324 جمعت بين ما هو تاريخي وجغرافي وأنثروبولوجي وأدبي وصحافي، ومن ثم فقد حرص المؤلف على تناول أهم التفاصيل المتعلقة بالمغرب منذ البدايات وإلى غاية وفاة الحسن الثاني، ونظرا لمعرفته البينة بأسماء الأعلام والأماكن، وبالعامية المغربية، فقد قدم عملا مضبوطا على مستوى الجهاز الاصطلاحي، رغم تعمده استعمال مصطلح إسبانيا بدل الأندلس، ونعته للسودان خلال عهد أحمد المنصور بالمستعمرة. غير أنه وجد أحيانا صعوبات جمة في تتبع أحداث بعض المراحل التاريخية بكل تجلياتها وتلاوينها، وأقصد هنا تاريخ المغرب الحديث على سبيل المثال لا الحصر، إذ أن تناوله لمرحلتي السعديين والعلويين الأوائل لم يرق إلى المستوى المطلوب.
5- في المحصلة النهائية، كيف نسج المؤلف عمله التركيبي، وهل توفق في هذا التركيب؟ أعتقد أن هذا الكتاب لا يمثل جدة على مستوى المقاربة التركيبية لتاريخ المغرب، فهو عبارة عن عرض تاريخي خطي، كرونولوجي وسردي كلاسيكي، موجه إلى الجمهور الواسع الذي يريد التعرف على المغرب، ومن ثم فهو يمنح لغير المتخصص فرصة لتتبع أهم مراحل هذا التاريخ الذي اتسم توزيع صفحاته عبر الحقب التاريخية بتخصيص: 43 صفحة للتاريخ القديم، و 107 ص للتاريخ الوسيط، و 123 ص للتاريخ الحديث، و 269 ص للتاريخ المعاصر، و 60 ص للتاريخ الراهن.
إن العمل لم يتمكن في تقديري المتواضع من الولوج إلى عمق المنطق الداخلي المتحكم في الخيط الناظم لتاريخ المغرب، وذلك لافتقاره لآلية التحليل في الكثير من القضايا التي من شأنها إضفاء طابع تركيبي على ثوابت ومتغيرات هذا التاريخ. ويعزى ذلك بدون شك إلى عدم إلمامه الشامل بكل مراحل تاريخ المغرب. بيد أن هذا لا ينفي إطلاقا الفائدة التي يمثلها هذا الكتاب، باعتباره إضافة إلى التراكم الحاصل في هذا المجال.
——————————-
[1] قراءة في كتابAbitbol (Michel), Histoire du Maroc, Perrin, 2009.